لصوص مال عام..بقلم سليمان جودة
الحكاية التى رويتها فى هذا المكان، أمس الأول، عن السيدة «ميشيل أوباما» سيدة أمريكا الأولى، أثارت مواجع كثيرين من القراء الأعزاء، فكان لابد أن أعود إليها، لا لأجدد المواجع، وإنما لأن فيها جوانب كانت المساحة قد ضاقت عليها، فلم أتعرض لها!
إن غضب الرأى العام الأمريكى من السيدة ميشيل، ليس لأنها سافرت على الطائرة الرئاسية، لقضاء إجازتها، مع إحدى ابنتيها، فى إسبانيا، فقد تبين أنها سددت من جيبها تكاليف إقامتهما فى الفندق، الذى قضت فيه أيام إجازتها هى وابنتها، وسددت أيضاً ثمن تذكرتين للسفر على الدرجة الأولى!
إلى هنا، لم تكن هناك مشكلة، وإنما المشكلة كانت فى أنها امرأة متعلمة فى «هارفارد» أعلى جامعات العالم، وكان «أوباما» يسترشد برأيها حين كان لايزال طالباً يدرس، أو يتأهب للحصول على درجة الدكتوراه، وكان يعجبه فيها عقلها ووعيها، وإدراكها السليم للأمور، ولذلك، أحبها، وتزوجها!
ولم يكن الأمريكان، الذين يعرفون عنها هذه الصفات، يتصورون أن رجاحة عقلها سوف تغيب عنها، فتتورط فى اصطحاب مرافقين معها، إلى مكان إجازتها، وهى تعرف أن هؤلاء المرافقين سوف يتقاضون رواتبهم، من مال دافع الضرائب الأمريكى عن غير حق، فهو مال له درجة من القداسة عندهم، تصل إلى قداسة الكتب التى نزلت من السماء!
كان الأمريكان يتساءلون، ولايزالون، عن السبب الذى منع السيدة الأولى، من أن تقضى إجازتها - مثلاً - فى ولاية فلوريدا الأمريكية، فهذه الولاية كانت أولى بأن تذهب إليها زوجة الرئيس، وكانت بشواطئها الساحرة فى الجنوب الأمريكى أجدر بأن تنفق فيها حرم الرئيس، ما سوف تنفقه فى إسبانيا!
وبطبيعة الحال، فإن هذا الحرص على المال العام، إلى الدرجة التى تجرى معها محاسبة السيدة الأولى، على كل دولار أنفقته فى رحلتها، وعما إذا كان من حقها أن تنفقه لأنه من مالها الخاص، أو لا تقترب منه، لأنه مال عام..
هذا الحرص لم ينشأ من فراغ، وإنما جاء لأن لديهم برلماناً يحاسب، بمجلسيه الشيوخ والنواب، رئيس الدولة، حساب الملكين، ولا يوافق له على إنفاق سنت واحد، من المال العام، ما لم يكن النواب والشيوخ معاً، على يقين، من أن هذا السنت، وهو بالنسبة للدولار، كالقرش عندنا بالنسبة للجنيه، سوف يجرى إنفاقه فيما يعود على دافع الضرائب بخدمات أفضل، وخصوصاً فى الصحة والتعليم!
عندنا طبعاً برلمان بمجلسين أيضاً، ولكن لا علاقة لبرلمان هنا، ببرلمان هناك.. فالبرلمان لديهم أرهق الرئيس، كما لم يحدث من قبل، حتى وافق له مؤخراً، على اعتماد ميزانية للتأمين الصحى على ٤٧ مليون أمريكى..
أما البرلمان عندنا، ففيه نواب الفياجرا، ونواب المخدرات، ونواب المحمول، ونواب.. ونواب.. إلى أن استيقظنا أخيراً على مأساة كبرى اسمها نواب العلاج على نفقة الدولة، وفيها استولى نواب فى البرلمان على الفلوس المخصصة لعلاج غير القادرين على نفقة الدولة، وضربوها فى جيوبهم، وإذا كانت الحكومة مترددة حتى الآن، فى إعلان أسماء النواب المتورطين فى هذه المأساة، فالسبب أن القائمة تضم أسماء كبيرة، سوف يصاب الجميع بالذهول، حين يعرفون، ذات يوم أن أصحاب هذه الأسماء، إنما هم لصوص مال عام!